تتبلور ملامح مدينة صناعية جديدة في الأفق على ساحل البحر الأحمر مع تطور مشروع منطقة السويس للتعاون الاقتصادي والتجاري الصيني-المصري (تيدا)، الذي يمثل نموذجا يحتذى به في البناء المشترك عالي الجودة لـ"الحزام والطريق"، وبات أيضاً قوة دافعة للتنمية الاقتصادية المحلية، مع تجدد أرقام قياسية بشكل مستمر في عدد الشركات المسجلة وحجم الضرائب المدفوعة وفرص العمل التي يوفرها.
منجزات مثمرة
في سبتمبر العام الجاري، دخلت المرحلة الأولى من مشروع شركة "يانجيانغ" للمواد الجديدة بمصر طور التشغيل في منطقة السويس للتعاون الاقتصادي والتجاري الصيني-المصري، ومن المتوقع أن تحقق إيرادات سنوية تبلغ 1.3 مليار جنيه مصري، وعوائد ضريبية بنحو 300 مليون جنيه مصري. وبعد الانتهاء من كامل المراحل الثلاث من المشروع، سيتم خلق أكثر من 500 فرصة عمل جديدة، حسبما قال لين شيانغ تشون، المدير العام للمشروع.
وأضاف لين:"أن المشروع يركز على مزايا الموقع الجغرافي لمصر، وبالتالي؛ فإنه لا يعزز التنمية الاقتصادية المحلية فحسب، بل سيساعد أيضا في تحسين هيكل منتجات شركتنا".
وفي منطقة "تيدا" الواقعة على بعد أكثر من 120 كيلومترا من العاصمة المصرية، القاهرة، ثمة العديد من الشركات الصناعية مثل شركة "يانجيانغ".
وحتى نهاية يونيو العام الجاري، جذبت المنطقة 134 شركة للتسجيل فيها، بما فيها العديد من الشركات الصينية الرائدة مثل شركة "جوشي" لصناعة الألياف الزجاجية، وشركة "ميديا" لصناعة الأجهزة الكهربائية، وشركة "إكس دي" لصناعة المعدات الكهربائية عالية الجهد، وشركة "دايون" لصناعة الدراجات النارية، فضلاً عن شركات دولية من مصر والإمارات العربية المتحدة وكندا وغيرها.
وتتخذ منطقة التعاون بناء البنية التحتية والقدرة الإنتاجية كمسار للتنمية، إذ لا توجد بها مبان مكتبية وخطوط إنتاج فحسب، بل وتضم أيضا فنادق وملاهي ومباني سكنية، بهدف بناء المنطقة لتصبح "مدينة صناعية جديدة صالحة للعيش والعمل فيها"، حسبما قال تشيوي ده فو، رئيس مجلس إدارة شركة "تيدا" القابضة للاستثمار.
ومنذ بدء تطوير المنطقة في مصر قبل أكثر من عقد من الزمان، وتحديدا في عام 2008، تجاوز حجم الاستثمارات الفعلية 1.4 مليار دولار أمريكي، والمبيعات التراكمية 3.3 مليار دولار أمريكي، وتم دفع ضرائب بقيمة 200 مليون دولار أمريكي، فضلاً عن خلق فرص عمل مباشرة لأكثر من 5000 شخص، بينما شهدت صناعات مواد البناء الجديدة، والمعدات البترولية، ومعدات الجهد العالي والمنخفض، وتصنيع الآلات تطورا متسارع الوتيرة.
أنماط أعمال جديدة
تعمل المنطقة أيضا بنشاط على استكشاف أنماط أعمال جديدة. وفي عام 2020، وبعد موافقة الحكومة المصرية، دخل أول مشروع مستودع للتخزين الجمركي باستثمار صيني في مصر "تيدا رويال" طور التشغيل الرسمي بالمنطقة، حيث يشهد حاليا ازدهار أعمال واردات السيارات المستعملة والأعمال اللوجستية والتخزينية.
وخططت المنطقة، بعد حصولها على التأهيل لاستيراد وتخزين السيارات المستعملة، لتخصيص مساحة تبلغ 100 ألف متر مربع من الأراضي لتنفيذ الأعمال المتعلقة بالسيارات المستعملة، وأقامت بالفعل علاقات تعاون مع العديد من شركات السيارات المستعملة في الصين ومصر، ما يفتح آفاق تعاون جديدة في مجال السيارات المستعملة بين البلدين.
وفي مطلع نوفمبر الماضي، انطلقت فعاليات معرض الصين الثاني لتصدير السيارات المستعملة إلى الخارج (دبي، مصر) في منطقة ميناء دونغجيانغ للتجارة الحرة في بلدية تيانجين بشمالي الصين، ومنطقة التجارة الحرة للسيارات بدبي الإماراتية، ومنطقة السويس للتعاون الاقتصادي والتجاري الصيني-المصري في مصر، بشكل متزامن، من خلال اتصالات عبر دائرة الفيديو.
وقال مسؤول من منطقة ميناء دونغجيانغ للتجارة الحرة إن منطقة تعاون "تيدا" ستساعد الشركات على بناء قنوات تسويقية متنوعة، ودعم بناء مستودعات في الخارج، وتحسين سلاسل الأعمال مثل عرض المنتجات ومبيعاتها، وتوريد قطع الغيار، وضمانات خدمة ما بعد البيع، ما يشكل تفاعلا إيجابيا بين السوقين الداخلية والخارجية للسيارات المستعملة.
وقال وي جيان تشينغ، نائب المدير العام لشركة "تيدا" الصينية الإفريقية للاستثمار: "بعد استكشاف فرصة تصدير السيارات المستعملة، أجرينا تعاونا مع شركة تيانجين هواتو المحدودة للوجستيات السيارات، لفتح السوق الأفريقية، وبالتالي توسيع الأعمال إلى سوق أمريكا الجنوبية تدريجيا، وتوصلنا أيضا إلى نية تعاون مع شركة تيانجين أوبرواي المحدودة لبناء منصة مستودعات لوجستية، ومن المتوقع أن يبدأ في النصف الأول من العام المقبل، للمساعدة في رفع مستوى التعاون بالمنطقة".
توسيع نطاق التعاون
وبينما تشق منطقة السويس للتعاون الاقتصادي والتجاري الصيني-المصري طريقها نحو مرحلة تنمية جديدة، بدأ نمط تعاون "تيدا" يتطور في المملكة العربية السعودية.
وفي السنوات الأخيرة، انطلقت أعمال بناء مجمع "تيدا" الصناعي الصيني-السعودي تدريجيا. ومن أجل تعزيز التكامل التجاري وإفساح المجال للمزايا التكنولوجية الناضجة لبناء وتطوير مجمعات صناعية في الخارج، قامت شركة تيانجين تيدا القابضة للاستثمار بتوسيع التجربة الناجحة لمنطقة التعاون في مصر إلى مشروع المجمع الصناعي بالسعودية، وتسعى جاهدة لبناء منصة نمطية ومهنية ودولية عالية المستوى لمجمعات صناعية في الخارج.
ويتم إطلاق مشاريع تعاون واحدًا تلو الآخر. وفي أغسطس من العام الجاري، وقعت شركة تيانجين تيدا القابضة للاستثمار اتفاقية تعاون استراتيجي مع شركة تيانجين الجديدة للحديد والصلب، حيث سيتم تعميق التعاون في مشروع تصنيع الحديد والصلب بإنتاج سنوي يبلغ 10 ملايين طن، ومشروع المنطقة الصناعية للحديد والصلب اللذين ستنفذهما الأخيرة في المملكة العربية السعودية، حسبما قال وي جيان تشينغ.
وفي أكتوبر الماضي، وقع مجمع تيدا الصناعي الصيني-السعودي مذكرة تعاون استراتيجي مع مجموعة شركة عجلان وإخوانه السعودية، بغية التعاون في مجالات البتروكيماويات ومعدات النفط والغاز والكيماويات البحرية وغيرها من المجالات.