في محطة تطهير سوسة حمدون بمدينة سوسة جنوب تونس تتدفق مياه الصرف الصحي الداكنة إلى عدة خزانات معالجة ضخمة لتطهيرها لتوفر للمزارعين المحليين مصدرًا لمياه الري وتقلل من التلوث في ثالث أكبر مدن البلاد، التي عانت من الجفاف لسنوات متتالية من جراء التغير المناخي.
ومحطة سوسة حمدون هي واحدة من محطتين يشملهما مشروع معالجة مياه الصرف الصحي الذي بنته شركة صينية بمدينة سوسة بجانب محطة التطهير بسوسة الجنوبية، وقد تم تشغيل المحطتين في عامي 2019 و2022 على التوالي.
وتولت الشركة الهندسية الخامسة عشرة لمجموعة بناء الطاقة الكهرومائية الصينية تنفيذ مشروع معالجة مياه الصرف الصحي بمدينة سوسة قبل بضع سنوات في مسعى لمعالجة جميع مياه الصرف الصحي وحل مشاكل تلوث الماء والهواء التي ابتلي بها السكان المحليون لفترة طويلة.
وقال مدير محطة تطهير سوسة حمدون أمان قصيعة لوكالة أنباء ((شينخوا)) يوم الأربعاء الماضي إن جميع مياه الصرف الصحي المنزلية وبعض المياه المستعملة الصناعية من مدينة سوسة تتدفق إلى المشروع للمعالجة.
وأضاف قصيعة أن المشروع يقدر على معالجة 19 مليون متر مكعب من مياه الصرف الصحي سنويا وتوفير 18 مليون متر مكعب من مياه الري للمناطق الزراعية.
وفي محطة سوسة حمدون شاهد مراسل (شينخوا) تدفق مياه الصرف الصحي الداكنة إلى عدة خزانات معالجة ضخمة، وبعد عمليات الترسيب والترشيح والامتزاز والمعالجة البيولوجية أصبحت المياه المتدفقة من الخزان الأخير واضحة للعيان.
وقال المهندس الصيني المسؤول عن صيانة المشروع من مجموعة الصين لبناء الطاقة الكهرومائية جي جيا، لـ(شينخوا) إن المياه المتدفقة من الخزان الأخير تلبي تمامًا معايير استخدام الري الزراعي بعد تطهير بالأشعة فوق البنفسجية.
وتعتمد مزارع زيتون في ولاية سوسة على مياه الري الواردة من المشروع للبقاء على قيد الحياة لعدة أشهر بسبب قلة هطول الأمطار في الصيف الحار، وفق جي جيا، الذي أشار إلى أن ولاية سوسة تعاني من نقص مزمن في المياه وجفاف العديد من السدود المحلية بسبب الجفاف في السنوات الماضية.
وبلغت نسبة الملء في مختلف السدود بتونس حتى 15 نوفمبر الماضي 22.5 بالمائة، وفق ما أفاد المرصد الوطني الفلاحي التونسي في 17 من الشهر ذاته.
كما لم تتجاوز كميات الأمطار في تونس 1.5 ملم في المتوسط في الفترة من أول سبتمبر إلى 15 نوفمبر 2023.
وقال المزارع التونسي معز نبيل، وهو من ضواحي مدينة سوسة إنه كان يشتري مياه المعالجة من محطة تطهير سوسة حمدون لري بساتين الزيتون في السنوات الأخيرة عندما شهدت تونس نقصا حادا في الأمطار العامين الماضيين، مما أدى إلى انخفاض كبير في إنتاج المحاصيل في جميع أنحاء البلاد.
وتابع أن بستانه يتمتع بتوافر مياه الري، والحصاد السنوي مستقر ولم ينخفض الدخل كثيرًا في السنوات الأخيرة.
وقبل سنوات كان يجري تصريف بعض المياه المستعملة بدون معالجة بسبب القدرة المحدودة، وكانت رائحة الهواء كريهة في العديد من الأماكن في سوسة، فيما تدفقت مياه الصرف الصحي من النهر إلى البحر مباشرة، وتسبب كل ذلك في تلوث بيئي خطير واستياء بين السكان المحليين، بحسب جي جيا.
وذكر قصيعة أنه تتم الآن معالجة جميع مياه الصرف الصحي، الأمر الذي حال دون تحول النفايات إلى مياه الري، وحل أيضًا مشاكل تلوث الهواء والمياه التي ابتلي بها السكان المحليون لفترة طويلة.
ولم يقتصر المشروع على معالجة مياه الصرف الصحي والحد من التلوث بل امتد أيضا لتوليد الكهرباء.
ففي منطقة المعالجة شاهد مراسل (شينخوا) مبنيين شاهقين على شكل برج، قال جي جيا إنهما عبارة عن أنظمة توليد الطاقة بالغاز الحيوي، التي يمكنها جمع الغاز الحيوي الناتج من معالجة مياه الصرف الصحي لتوليد الكهرباء وإعادة تدوير الحمأة.
ووفقا لمعايير تصميم المشروع، يمكن توليد 19 ألف كيلووات/ساعة من الكهرباء يوميا بعد وضعها في الخدمة، مما يقلل بشكل كبير من استهلاك الطاقة لمعالجة مياه الصرف الصحي.
وتونس هي واحدة من أكثر البلدان عرضة لتأثيرات التغيرات المناخية. إذ حذر البنك الدولي في تقرير نشره في سبتمبر 2021 من أن تغير المناخ قد يدفع حوالي 19 مليون شخص في شمال إفريقيا إلى الهجرة الداخلية بحلول سنة 2050.
وقال جي جيا إنه تم تشغيل المشروع بنجاح وحقق فوائد اجتماعية واقتصادية جيدة، مضيفا أن العديد من المدن الأخرى في تونس تواصلت مع الشركة الصينية لتعبر عن رغبتها في التعاون مع الصين في تسوية مشاكل الجفاف وحماية الموارد المائية واستخدامها.