قبل 50 عاما، كان تانغ شي مينغ يعود من المدرسة في كل يوم مغبرّ الوجه أصفر الشعر ملفوفا بغبار الصحراء. كانت الرمال في ذلك الوقت تحاصر مدينة تشونغ وي غربي منطقة نينغشيا ذاتية الحكم لقومية هوي على بعد 5 كيلومترات فحسب. فيما كانت المدينة تعيش 300 يوما من كل سنة تحت الغبار. ويذكر تانغ شي مينغ، 57 عاما، خبير تخضير الصحراء، أن أيام العواصف الرملية، كانت الرؤية تمتد لحوالي 5 أمتار فحسب، وكان بعض الأطفال يتيهون وسط العواصف أثناء عودتهم من المدرسة.
كانت هذه المعاناة شبه اليومية من رمال الصحراء، هي التي أثارت حفيظة الطفل، ليسير لاحقا على خطى الأجيال السابقة من أبناء مدينته الذين أفنوا حياتهم مكافحة الرمال. درس تانغ شي مينغ علوم الغابات، وبعد تخرجه حمل سلاح العلم والمعرفة وتوجه نحو العدوّ الزاحف على مدينته. فخاض معركة مع الرمال استمرّت لنحو 33 عاما، دون كلل أو ملل. استطاع خلالها أن يردّ زحف الصحراء إلى مايزيد عن 21 كم إلى الخلف، وينجح في تخضير 486 كم مربع من الصحراء، والمعركة لاتزال مستمرّة.
أخذ تانغ شي مينغ عن الجيلين السابقين له في مكافحة الرمال فكرة مربعات القش، وقام بتطويرها من خلال أربعة إختراعات. أسهمت في رفع فعالية مكافحة الرمال بـ 50%، وزيادة إحتمالية حياة الأشجار بـ 20٪.
تقوم الطريقة التي يعتمدها تانغ شي مينغ في مكافحة الرمال، بتشكيل مربعات من القش على مساحات شاسعة فوق الصحراء. حيث يأخذ حزما من القش بطول يتراوح بحوالي 60 سنتيمترا، وينثرها بشكل مربع، ثم يأخذ المجرفة ويضغط بها في منتصف أعواد القش، حتى تغوص بمقدار يزيد عن العشرين سنتيمترا. يصبح الجزء العلوي من القش بمثابة جدار الصد ضد الرمال، فيما تسمح الفراغات التي يتركها القش داخل التربة بنمو البذور التي يزرعها. وهكذا حينما تهترأ جدران القش في غضون ثلاث سنوات بفعل الرياح، تكون الأعشاب قد نمت وشكلت بدلا عنها مربعات خضراء. وفي وسط المربع، يحفر تانغ شي مينغ بمقدار 50 سنتيمترا، حتى يصل إلى التربة المبللة، ثم يقوم بغراسة أشجارا ملائمة للمناخ الصحراوي، من خلال احتساب درجة تأقلم الشجرة مع معدلات الأمطار والتبخر.
بهذه الحيلة، استطاع تانغ شي مينغ أن يقلب إتجاه المعركة لصالح اللون الأخضر، الذي تمدّد بشكل واسع فوق الرمال، وخنق نفوذ اللون الأصفر عند 100 كم مربع فحسب. وقد كان لهذا التمدد الأخضر أثرا واضحا على المناخ في مدينة تشونغ وي، حيث باتت المدينة تنعم بـ 300 يوم خالية من الرياح والعواصف الرملية، وزادت معدلات الأمطار بشكل واضح.
ويقول تانغ شي مينغ، إن تجربة مكافحة الصحراء في الصين من خلال مربّعات القش يمكن أن تفيد الدول العربية وإفريقيا. وأن الطريقة يمكن استنساخها في الأراضي الصحراوية بهذه الدول، مع مراعاة العوامل المناخية، باختيار الأشجار المناسبة للبيئة المحلية. كما عبّر عن استعداده لنفع الدول العربية والإفريقية بخبرته الطويلة في مجال مكافحة الرمال، وترحيبه بأي مشروع تعاون.